سوريا- حزب الله، كابوس الإمبريالية: برونو غيغ*- ترجمة: علي إبراهي
Posté par abc10 le 29 décembre 2017

كان كلاوسفيتز يقول « إن الحرب تضع النهاية لتضارب المصالح بواسطة الدم ». على النقيض من الفكرة السائدة، لم تكن محاولة الولايات المتحدة وحلفاؤها الانقضاض على سوريا من أجل الاستئثار بمواردها النفطية. يمكن لمشاريع الغاز القطرية أن تفسر وقوف قطر إلى جانب المتمردين، لكن تلك المشاريع ليست مبرراً كافياً من أجل تغذية صراعٍ بهذا الحجم الهائل. إن هذا السعار التدميري الذي تملّك رعاة هذه الحرب المميتة لا يعود كذلك إلى دفاعهم عن « حقوق الإنسان ». وحدها العقول الساذجة هي من صدقت تلك الترهات التي حظيت بطوفان إعلامي دعائي لا سابق له من أجل إعطائها الصدقية.
إن السبب الحقيقي لهذه الحرب بالوكالة ليس اقتصادياً ولا إيديولوجياً. من خلال نشرها لهذه الإمكانات الهائلة، كان للإمبريالية هدف آخر، أكثر طموحاً: التآمر على خطر استراتيجي. كانت واشنطن تأمل، عبر تدمير سوريا، أن تتم تصفية الدولة العربية الوحيدة التي بقيت واقفة في وجه « إسرائيل »، والتي تدعم بدون تحفظ المقاومة المسلحة ضد الغزو الصهيوني. إن توجيه الضربات القاتلة لسوريا سوف يتيح التخلص من حزب الله، وبانهيار الدولة السورية سوف يتم التخلص من هذه الحالة الشاذة التي تشكلها هذه الحكومة العربية المتحالفة مع « نظام الملالي » ومع روسيا فلاديمير بوتين.
إن البرهان القاطع على هذا المخطط الجيوسياسي أتى من وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في رسالة عبر بريدها الإلكتروني بتاريخ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 والذي كشفه موقع ويكيليكس وفيها تقول كلينتون: « إن أفضل طريقة لمساعدة إسرائيل في إدارة ملف القدرات النووية المتعاظمة لإيران، هي في مساعدة الشعب السوري على الإطاحة بنظام بشار الأسد ». لو كتب لهذه المحاولة « لتغيير النظام » عن طريق الإرهاب الميليشياوي أن تنجح فإن ذلك يعني حرمان محور طهران- دمشق- بيروت من حلقته المركزية. وسوف يصبح حزب الله يتيماً وتنكفئ إيران إلى الحديقة الخلفية لشرق أوسط جديد تم وضعه في الفلك الغربي.
لسوء حظ واشنطن ومجرميها المأجورين، فشلت هذه العملية الكبيرة. بالرغم من آلاف المرتزقة الذين غسلت واشنطن أدمغتهم، ومليارات الدولارات التي أنفقتها ممالك الخليج، تحطم هذا الجمع التكفيري على الجدار الفولاذي الذي شكله جيش وطني مدعوم من حلفائه الروس واللبنانيين والعراقيين والإيرانيين. ورغم أن هذه الهزيمة لم تؤدي إلى محو القدرة الأميركية على التسبب بالأذى، لكنها وجهت ضربة قاصمة أوقفت سياسة « الفوضى البنّاءة » التي عملت واشنطن على تنفيذها من أجل تفجير الشرق الأوسط وتجزئة دوله ذات السيادة.
سوف تبقى سنة 2017 في حوليات الزمان الشاهد على الفشل الجديد للإمبريالية. كان الهدف من الحرب التي تم فرضها على سوريا، حجر الزاوية في المقاومة العربية، الثأر للإذلال الذي لحق بـ »إسرائيل » في تموز/ يوليو- آب/ أغسطس 2006. والتخلص من كابوس قوة عربية ظافرة، قادرة على طرد الجيش الصهيوني القوي من بلد صغير كان هذا الجيش يظنه تحت رحمته. إن هذا المغزى للحرب، والذي نادراً ما يتم التطرق إليه، هو أمر جوهري. إن الصراعات في الشرق الأوسط لا تنفصل عن بعضها بل هي مترابطة بشكل وثيق. والأزمة الإقليمية لها عدة أبعاد، لكنها نفس الأزمة.
كيف سيصبح لبنان لو أن العصابات المتطرفة تغلغلت في شرق البلاد؟ قام حزب الله بالاشتراك مع الجيش اللبناني باستئصال هذه الشراذم. وبذلك لعبت المقاومة دورها في حماية لبنان، وقضت على أوكار العقارب على جانبي الحدود، وهو أمر اضطر حتى من توجه بالشتائم لتدخل حزب الله في سوريا إلى الاعتراف به. دفع حزب الله، الذي يشكل هاجساً لـ »إسرائيل »، الثمن من دمائه واستخلص من الصراع السوري تجربة ثمينة. أرادت الإمبريالية القضاء عليه بحرمانه من حليفه. إنها قضية خاسرة. إن حزب الله، الكابوس للصهاينة، المنتصر على القاعدة، الحامي للأقليات، أكثر قوة و احتراماً من أي وقت مضى.
هي ليست صدفة أن يقوم الجيش « الإسرائيلي » بزيادة اعتداءاته على الأراضي السورية في الأشهر الأخيرة. قالها العديد من المسؤولين الصهاينة: إن الحرب المقبلة سوف تضع مجدداً « إسرائيل » في مواجهة حزب الله، وسوف تشهد عنفاً لا مثيل له. لكن الواقع بعيد عن الأمنيات، وعلى المعتدي أن يفكر جيداً في دروس الحرب السابقة. في 12 تموز/ يوليو 2006، وبحجة اختطاف جنديين « إسرائيليين » على الحدود اللبنانية، قامت الجحافل « الإسرائيلية » بغزو لبنان بهدف معلن هو « القضاء على حزب الله ». لكن نتيجة هذه العملية حملت العديد من المفاجآت لمن أطلقها.
خلال هذه الحرب التي استمرت 33 يوماً، كان الاختلال في موازين القوى كبيراً جداً. حيث أن « إسرائيل » تتمتع بقوة عسكرية هائلة، تكاد لا تقهر على مسرح العمليات في السرق الأوسط ، وتتم تغذيتها بالتكنولوجيا التي يمدها بها حاميها الأميركي. مشاة محمولة، مدفعية ثقيلة، عربات مصفحة، سلاح الطيران، سلاح البحرية وطائرات حربية بدون طيار كلها انقضّت على لبنان. في مواجهة هذه الجحافل المكونة من 40 ألف جندي، و450 عربة مصفحة ثقيلة، وقف حزب الله، الحزب السياسي اللبناني الذي تتبع له ميليشيا تتمتع بالشجاعة، لكنها لا تملك السلاح الثقيل.
من أجل إضفاء الصدقية على الخطر الذي تشكله هذه المنظمة التي تكنّ لها القوى الغربية الكراهية، تم تنسيق مسرحية حقيقية حول الصواريخ التي تتساقط على « إسرائيل. » من الجانب النفسي عادت هذه المسرحية بالنفع على الطرفين: هي تسمح لحزب الله أن يتحدى « إسرائيل » ولـ »إسرائيل » أن تلعب مسرحية المعتدي المعتدى عليه. لكن ذلك يخفي التفاوت في الأضرار التي يتسبب بها كل طرف. وبينما هلك أكثر من ألف من اللبنانيين تحت وابل قنابل وصواريخ الجيش « الإسرائيلي »، تقوم وسائل الإعلام بتسليط أضوائها على عشرة مدنيين قتلوا بصواريخ حزب الله.
قام الصهاينة، المسحورون بجبروتهم، بقصف الجسور والمصانع والموانئ والمطارات، دمروا الضاحية الجنوبية لبيروت، واستعملوا آلة تدمير لا سابق لها ضد هذا البلد. لكن هذا التفوق الجوي لا يعني الحكم سلفاً بالانتصار. إن حزب الله يمتلك أوراقاً رابحةً عديدة لا يمكن إنكارها: انغراسه القوي في وسط الطائفة الشيعية، تماسكه الداخلي ومكانة مقاتليه، الدعم من غالبية كبيرة من الشعب اللبناني. كان للغزو الصهيوني الجديد، الذي أدى إلى تلاحم اللبنانيين حول حزب الله، نتيجة إضافية تمثلت بإثبات الجدوى العسكرية للحزب.
حتى عشية الغزو، كانت فكرة أن حزب الله يشكل سوراً واقياً ضد « إسرائيل » لا تزال مشوشة، لكن هذه الفكرة بدأت تفرض نفسها مع وجود القوة المادية: لو أن حزب الله قد استسلم، فلن يكون هنالك وجود للبنان، بل منطقة معزولة خاضعة لـ »إسرائيل ». كان اختطاف الجنديين في 12 تموز/ يوليو ذريعة واهية للقادة « الإسرائيليين »، قدمت لهم الفرصة التي كانوا يحلمون بها في إشعال حرب جديدة يقطفون ثمارها. لو أن المقاومة ركعت، لكان لبنان وجد نفسه في وضع الدولة-العازلة، بلا سيادة حقيقية ولا تلاحم وطني ولا قوة عسكرية.
لأن « إسرائيل » لا تقبل سوى بوجود دولة- ألعوبة بيدها على حدودها الشمالية، فقد قامت بتدمير الأسطول الجوي المدني اللبناني عام 1968، وغزت لبنان سنة 1979 وشنت هجوماً عسكرياً مدمراً على بيروت سنة 1982. لم يتمكن لبنان، الذي تعرض للغزو والاحتلال والقصف خلال عشرات السنين، من رؤية الأفواج « الإسرائيلية » تغادر جنوب البلاد حتى سنة 2000. هذا الانتصار الذي تأخر يدين لبنان به إلى حزب الله، الذي ناوش المحتل طوال عشرين عاماً، قتل خلالها أكثر من 900 جندي وأجبره على الانسحاب الأحادي الجانب. كان الهجوم « الإسرائيلي » العنيف في 12 تموز/ يوليو 2006، بكل وضوح، تصفية حساب.
وعد القادة « الإسرائيليون »، الذين أصابهم الغرور لدرجة السخرية، بإلحاق هزيمة مدوية بالمقاومة. تحولت 52 دبابة من دبابات الجيش « الإسرائيلي »، التي كان الخبراء يقولون أنه لا يمكن تدميرها، إلى غربال. لقي 172 جندي مصرعهم، وجرح 800 آخرون. قضى أكثر من 1500 لبناني بسبب الغارات الصهيونية واعترف حزب الله بفقدان 200 من مقاتليه. أجبر مقاتلو الحزب، وراجمات الصواريخ المضادة للدبابات، القوات « الإسرائيلية » على الفرار. كان ذلك الواقع القاسي أمراً عجيباً بالنسبة للمعجبين بـ »إسرائيل »: لقد تراجع « أقوى جيش في الشرق الأوسط » أمام عناصر الميليشيا التابعين لحزب سياسي لبناني.
اليوم و بعد انتهاء المعركة، لا يزال حزب الله واقفاً ولا تزال قدراته العسكرية تشكل تهديداً. مكللاً بهالة مقاومته الغزاة، يتمتع الحزب بهيبة لا مثيل لها تسمو على الشقاق المصطنع بين السنة والشيعة. وبدلاً من أن تكون هذه الحرب التي أرادتها « إسرائيل » عقابيةً، عاقبت « إسرائيل » نفسها. عجز جنودها عن أخذ حفنة من القرى الحدودية والأثر الوحيد لأسلحتها كان عبارة عن حملة جوية مدمرة. أرادت « إسرائيل » القضاء على حزب الله نهائياً. لكن جل ما نجحت به هو ارتكاب مجازر بحق المدنيين. مدحوراً، عاد جيشها يجر ذيله بين قدميه.
إن ذكرى هذا الانتصار العربي الذي كانت فرصته 1 من 10 لا تتوقف عن ملاحقة القادة « الإسرائيليين » والغربيين. وهذا أحد الأسباب الجوهرية لغضبهم الشديد على سوريا، وبذرة العدوان على دمشق سنة 2011 غرست منذ هزيمة « إسرائيل » سنة 2006. لكن الأحداث لم تتبع المسار الذي رسمه مخططوهم الاستراتيجيون البارعون. ومع هزيمة المشروع الوهابي في سوريا، خرج المخطط عن السكة، وأصبح حالهم من فشل إلى فشل. سنة 2006، تكبدت « إسرائيل » الهزيمة أمام حزب الله المدعوم من سوريا. سنة 2017، خسرت الإمبريالية الجولة أمام سوريا المدعومة من حزب الله (وآخرون غيره). وإن المحاولات اليائسة لفك هذا التحالف تحطمت مثل الزجاج على صخرة المقاومة التي أبداها الشعبان الشقيقان، السوري واللبناني.
28 كانون الأول/ ديسمبر 2017
** Bruno Guigue موظف كبير سابق، كاتب مقالات ومختص بالسياسة، ولد في مدينة تولوز سنة 1962. درس في المدرسة الوطنية العليا وفي المعهد الوطني للإدارة. أستاذ فلسفة ويحاضر في العلاقات الدولية في التعليم العالي. له العديد من الكتب التي ترجمت إلى ثمان لغات. أقيل من منصبه سنة 2008 بسبب انتقاده السياسة « الإسرائيلية » في مقالة نشرها على موقع oumma.com. متضامن ومتعلق بالقضية الفلسطينية.
المصدر:
http://www.afrique-asie.fr/syrie-hezbollah-cauchemar-de-limperialisme/
Publié dans Non classé | 5 Commentaires »